كتب عدنان حسين أن أكثر من مئة ألف شخص احتشدوا في لندن مطلع الأسبوع للمشاركة في مسيرة "وحّدوا المملكة" التي قادها المتطرف اليميني تومي روبنسون، حيث تحولت الفعالية سريعاً إلى مشهد مناهض للديمقراطية مع دعوات لحل البرلمان وطرد "الإسلام من أوروبا". وفي قلب التجمع ظهر الملياردير إيلون ماسك عبر بث مباشر ليعلن: "إما أن تقاوم أو تموت".

وأوضح موقع ميدل إيست آي أن ما يجري لا يمثل انتفاضة شعبية عضوية، بل حركة يغذيها الأثرياء الفاحشو الثراء، وتضخمها المنصات الرقمية، وتتغطى بخطاب خلاص الطبقة العاملة البيضاء. حضور ماسك لم يكن عرضياً؛ بل يعكس التقاءً متزايداً بين "الأوليجاركية التكنولوجية" والشعبوية اليمينية المتطرفة. حين يطل أغنى رجل في العالم، مالك "إكس" و"سبيس إكس" و"تسلا"، ليبشر بأن "العنف قادم"، فإنه يضفي شرعية على خطاب متطرف ويكشف قوة المنصات الرقمية في تنسيقه وتعزيزه.

يتتبع المقال مسار ماسك السياسي من تكنوقراطي تحرري إلى رجعي ثقافي ثم إلى مضخّم علني لنظريات المؤامرة اليمينية. دعواته لحل البرلمان وازدراؤه "النخب" لا تمثل سياسات محددة، بل إشارات أيديولوجية تهدف إلى تقويض الأعراف الديمقراطية لصالح سلطة رقمية مركزية. ما نشهده هو بناء "إقطاعيات رقمية" يحكمها المليارديرات وتراقبها الخوارزميات وتستقطب ملايين المهمشين سياسياً. في تلك البيئات يُستثمر الغضب ويُعاد توجيهه ويُحوَّل إلى رأس مال سياسي واقتصادي.

ويحذر الكاتب من أن خطاب اليمين المتطرف لم يعد حبيس الفضاء الافتراضي، بل تُترجم نتائجه في الشوارع حيث تظهر بيانات حكومية أن أغلب جرائم الكراهية في بريطانيا ذات دوافع عنصرية. عندما يصف قادة سياسيون وإعلاميون المهاجرين والمسلمين بأنهم "غزاة"، فإنهم يمنحون العنف رخصة. ورغم أن اليمين الشعبوي يزعم تمثيل "الرجل المنسي"، إلا أن جوهر الواقع أن المجتمعات البيضاء من الطبقة العاملة تعرضت للتهميش بسبب سياسات السوق والتقشف وفشل اليسار المعاصر.

وفي بريطانيا ما بعد الصناعة، فرّغت عقود التقشف وانعدام الاستثمار مدناً كاملة من مضمونها. تفككت البنى الاجتماعية كالخدمات العامة والنقابات، فترك فراغاً ملأه ديماجوجيو اليمين بوعود زائفة تقوم على شيطنة المسلمين والمهاجرين. المفارقة أن الطبقة العاملة البيضاء تُقاد باسم المقاومة ضد "النخب" لتخدم فعلياً مصالح رأس المال الضخم.

يسأل المقال: أين حزب العمال؟ إذ تحت قيادة كير ستارمر تبنى الحزب نهجاً تكنوقراطياً حذراً يفتقر للرؤية الأخلاقية، مما ترك الساحة مفتوحة لليمين الشعبوي الذي يَعِد بالتحول حتى لو كان وهمياً. القوى اليسارية الأخرى أيضاً فشلت في مخاطبة الطبقة العاملة البيضاء بشكل مباشر، إما خوفاً من التنازل الثقافي أو جهلاً بطبيعة المشهد. النتيجة: فراغ، والطبيعة لا تقبل الفراغ.

ويرى الكاتب أن المخرج لا يكون بتجاهل تذمر تلك الفئات أو بمغازلة اليمين، بل ببناء سياسة طبقية ديمقراطية شاملة تتحدث عبر الانقسامات وتواجه خطاب الكراهية بلا تردد. ويتطلب ذلك إعادة الانخراط في المناطق المهملة اقتصادياً عبر وجود فعلي لحملات محلية ونقابات ومبادرات تعاونية.

كما يحتاج إلى الاعتراف بالهوية الثقافية للطبقة العاملة البيضاء دون تقديسها، وبناء جسور بين المكونات الاجتماعية عبر إبراز المصالح المادية المشتركة. والأهم أن يستعيد اليسار لغة الانتماء والوطنية بروح التضامن والمشاركة الديمقراطية.

يختم المقال بالتأكيد أن حركات اليمين المتطرف تتنامى علناً بدعم شركات وبتضخيم من المليارديرات، وأن كلمات ماسك "إما أن تقاوم أو تموت" ليست مجرد مبالغة بل إعلان حرب أيديولوجية على الديمقراطية ذاتها. إذا أراد اليسار مواجهة ذلك فعليه أن يعود إلى جذوره في واقع الطبقة العاملة بكل ألوانها، وإلا ستواصل بريطانيا انجرافها نحو مستقبل أكثر ظلمة وخطورة.

https://www.middleeasteye.net/opinion/fight-back-or-die-how-elon-musk-weaponising-britains-working-class-grievances